بقلم المهندس: طارق بدراوى
خان الخليلي حي عريق من أحياء القاهرة القديمة وهو يتمتع بشهرة واسعة وعريضة ويعد عنصر جذب سياحي كبير بالنسبة لزوار مدينة القاهرة العاصمة ومصر بشكل عام من جميع الجنسيات ويتميز بوجود بازارات ومحلات وحوانيت ومعارض ومحلات للمصوغات ومطاعم ومقاهي شعبية وبيوت أثرية من العصرين المملوكي والعثماني كما يتميز بكثرة تواجد أعداد السياح وإعتياد سكانه عليهم وحي خان الخليلي كان دائما مصدر إلهام للعديد من الكتاب والأدباء المصريين وللعديد منهم مؤلفات دارت أجزاء من أحداثها داخله وكان من أبرزهم الكاتب الكبير صاحب جائزة نوبل في الأدب نجيب محفوظ الذي ألف إحدى رواياته وجعلها تحمل إسم الحي العريق خان الخليلي وتدور أحداثها بالكامل داخله والتي تم تحويلها بعد ذلك إلى فيلم سينمائي بطولة الفنانين الكبار عماد حمدي وحسن يوسف وتوفيق الدقن ومحمد رضا والفنانات سميرة أحمد وتحية كاريوكا وآمال زايد ومن إخراج المخرج الكبير الراحل عاطف سالم كما قام الكاتب الروائي المعاصر أسامة أنورعكاشة والتي تحولت العديد من رواياته إلي مسلسلات تليفزيونية شيقة بتأليف روايته الشهيرة أرابيسك والتي تحولت فعلا إلي مسلسل تليفزيوني عن حي خان الخليلي وسكانه وطبيعتهم والمهن التي يعملون بها وكان من بطولة الفنانين الكبار صلاح السعدني وكرم مطاوع وأبو بكر عزت وحسن حسني وهشام سليم والفنانات هدى سلطان وسهير المرشدى وهالة صدقي ولوسي وجيهان فاضل
ويعد خان الخليلي واحدا من أعرق أسواق بلاد الشرق ويزيد عمره على 600 عام وما زال طرازه ونسقه المعمارى الأصيل باقياً على حاله منذ عصرالمماليك وحتى الآن وقد هاجر إليه عدد كبير من تجار مدينة الخليل الفلسطينية وسكنوه والآن توجد به جالية كبيرة من أهل الخليل تسكن به وتعمل بالتجارة وقد سمي بهذا الإسم نسبة لمؤسسه وهو أحد الأمراء المماليك كان يدعى جركس الخليلي وهو من المهاجرين الأوائل إلي مصر الذين وفدوا إليها من مدينة الخليل بالضفة الغربية بفلسطين المحتلة وسكنوا ومارسوا نشاطهم التجارى به وكان كبير التجار في عصر السلطان المملوكي برقوق عام 1400م ويعرف المؤرخ العربي الأشهر المقريزي الخان فيقول إن الخان مبنى مربع كبير يحيط بفناء ويشبه الوكالة تشمل الطبقة السفلي منه الحوانيت وتضم الطبقات العليا المخازن والمساكن
ومن أهم معالم خان الخليلي مقهى الفيشاوي والذي يزيد عمره علي 200 عام وهو من أقدم مقاهي القاهرة وكان الكاتب الكبير نجيب محفوظ من أشهر رواده في فترة الستينيات من القرن العشرين الماضي ويرجع تاريخ تأسيسه إلي عام 1769م وفي مقهى الفيشاوي والذي يتصدر الخان تستطيع أن تحتسي الشاي الأخضر أو القهوة العربية وأن تتبادل الأحاديث مع رواد المقهي في أي شيء ثم تبدأ جولتك في الحي العريق بزيارة مسجد الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه حفيد الرسول الكريم محمد صلي الله عليه وسلم وإبن إبنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها والذى يظن أن رأسه مدفونة في المشهد الحسيني داخله وليس هناك ماهو أمتع من التجوال بعد ذلك فيه سيرا على الأقدام داخل الأزقة والحوارى والتي تثير الدهشة والإعجاب نظرا لكيفية تنسيقها وتخطيطها بالإتقان والإبداع الذى تراه أمامك فالأزقة متراصة كحبات عقد متداخلة كقوس قزح متعدد الألوان ولايعرف أحد حتى الآن النمط أو الطراز أو الفكر المعمارى الذى تم بناء وتأسيس هذا الحي على أساسه فإنك تجد الأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع والسوق مسقوف بخشب متين تحدى الزمن وعوامل التعرية وظل صامدا لم يتلف بسببها والشمس تتسلل إلي داخل حوانيت ومتاجر عديدة تكون مع بعضها سلسلة متصلة ومترابطة يسلم أحدها الآخر ومليئة بالكنوز والتحف والقطع واللوحات الفنية النادرة والمصنوعة بمهارة فائقة
وإذا بدأت الرحلة في الخان فلابد وأن تلقي نظرة على ماتبقى من مشربيات مطلة على الشارع أو الحارة وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها أحواض الماء التي كانت تروي العطشان وعابرى السبيل في الزمن الماضي حيث يزخر الحي بالعديد من البيوت الشهيرة التي يعود تاريخها إلي العصرين المملوكي والعثماني مثل بيت السحيمي كما يقع علي مقربة من الحي منزل الست زينب خاتون ومنزل الست وسيلة خاتون ومنزل الهراوى وغيرها وفي داخل الأزقة الضيقة تجد نفسك وسط زحام أسطوري من البشر والمقاعد الخشبية التي رصها أصحاب المقاهي لجذب الرواد وبمجرد أن تدخل الشارع يتناهى إلى سمعك عبارات الترحيب المصرية الأصيلة خفيفة الظل وكلمات أولاد البلد المرحبة تدعو زوار الحي سواء من المصريين أو الأجانب للفرجة وتسمع نداء طريف يشدو به البائعون وهو نداء اللي مايشتري يتفرج ولو دخلت أحد الحوانيت فإن البائع يستقبلك مبتسما ومرحبا قائلا عبارة مصرية شعبية أصيلة وهي مصر نورت ويرد الزائر الذي له خبرة بعالم القاهرة السحري ومفرداتها اللغوية قائلا مصر منورة بأهلها ويبدأ البائع في عرض ما لديه من بضائع ولاتفارقه إبتسامته وكلماته المتدفقة حول جودة بضاعته وأنها صنعت خصيصاً لعشاق الفن اليدوي وفي الحقيقة فإن تجار الخان خبراء في فن البيع وورثوا التجارة والشطارة عن الآباء والأجداد وهم يعرضون الأصيل والمقلد من البضائع ولهم ولع عجيب بالمساومة كما يتسمون بصبر وجلد على إقناع الزبون ببضاعتهم
وتاريخيا يعتبرحي خان الخليلي واحد من ثمانية وثلاثين سوقا كانت موزعة أيام المماليك على المحاور الرئيسية بمدينة القاهرة ويقع مكانه وسط المدينة القديمة فوق مقابر الخلفاء الفاطميين الذين حكموا مصر من منتصف القرن العاشر الميلادى وحتي منتصف القرن الثانى عشر الميلادى وكان الخليفة الفاطمي الأول المعز لدين الله الفاطمي قد أحضر معه حين قدومه إلي مصر من القيروان بتونس توابيت ثلاثة من أسلافه ودفنهم في مقبرته التي أنشأها بالقاهرة بعد تأسيسها حيث دفن هو وخلفاؤه أيضا وقد أمر جركس الخليلي مؤسس الحي بنقل المقابر إلى أماكن أخرى وتأسيس سوق للتجار مكانها
وخان الخليلي يعتبر بحق معرض دائم ومستمر كان ومايزال تعرض به البضائع في القاهرة القديمة حيث تتلاصق المعارض وتمتلئ الحارات بالحوانيت التي تعرض نفس البضاعة بأسعار متفاوتة ممايتيح فرصة ممتازة للمشتري في أن ينتقى مايريده ويختاره بحيث يكون الأجود والأقل سعرا في نفس الوقت عن طريق الفصال والمساومة لكي يحصل في النهاية على الأمتن والأرخص فهنا بضائع من كل صنف ولون من الذهب والماس والفضة وجميع أنواع العطور والبخور إلى أوراق البردي التي تحمل كلمات اللغة الهيروغليفية وتمائم وأيقونات وقصائد غزلية ونقوشات باللون الأزرق تحكي في إختصار مدهش وعجيب أجمل حكاية عشق في التاريخ حكاية إيزيس وأوزوريس التي يقبل عليها السياح الأجانب وغيرها من القصص والأساطير الفرعونية الشهيرة